القصبة القديمة في الجزائر العاصمة
نحاول في هذا المقال الكشف عن بعض أسرار مدينة القصبة القديمة في العاصمة الجزائرية، و اجمل الأماكن و المعالم فيها. حيث تقع القصبة القديمة في احد اجمل المواقع المطلة على البحر الأبيض المتوسط وسط الجزائر العاصمة، و قد بنيت على نمط معماري فريد من نوعه. حيث تضم بين أزقتها الضيقة التي لا يمكن الوصول إليها إلا مشيا على الأقدام، قصورا عثمانية و مساجد عتيقة و حمامات و دكاكين و بيوت جميلة. القصبة تعتبر ارثا تاريخا و حضاريا ممتد عبر الزمن، و الذي لا يزال يحافظ على الكثير من التقاليد الأعراف القديمة للسكان فيها.
تاريخ القصبة القديمة:
يعتبر تاريخ القصبة جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الجزائر القديمة وحاضرها المتميز. حيث لعبت دورا كبيرا عبر الفترات المختلفة التي مرت عليها بداية من الحكم العثماني، ثم فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، وصولا إلى ثورة التحرير و الاستقلال في 05 جويلية 1962. و قد تأسست القصبة في القرن السادس عشر، وكانت تستخدم كمركز إداري للدولة العثمانية. ومنذ ذلك الحين، تم توسيعها وإضافة العديد من المباني والمعالم الرائعة التي تجعل من أحياء القصبة إحدى اشهر الوجهات السياحية في الجزائر الحالية.
القصبة مصنفة من طرف اليونيسكو كتراث عالمي عام 1962 ميلادي.
اهم المعالم و الأماكن السياحية التي يجب زيارتها في القصبة :
تضم القصبة القديمة عدة معالم و أماكن سياحية تحكي تاريخها الطويل، من اهم هذه المعالم التي يجب على الزائر تسجيلها في مساره ما يلي:
مسجد كتشاوة:
يعد جامع كتشاوة من اشهر المساجد التاريخية في الجزائر، و تعود تسميته كتشاوة إلى اللغة التركية، حيث أن كلمة تنقسم إلى جزئين هما “كت” و “شاوة” و معنها سوق لماعز التي كانت تقام في الساحة المقابلة للمسجد.
المسجد بني في عهد الحكم العثماني من طرف حسن باشا سنة 1612 ميلادي، و تم توسيعه و تحسينه و زخرفته سنة 1794 ميلادي. مباشرة بعد احتلال الفرنسي لمدينة الجزائر تم تحويل المسجد إلى كنيسة من طرف الجنرال الفرنسي “دو روفيغو” سنة 1932 ميلادي، وذلك بعد إعدام وقتل حوالي 4000 شخص من سكان القصبة الذين اعتصموا و حاولوا حماية المسجد من تحويله إلى كنيسة. حيث أمر القائد الفرنسي بحرق جميع الكتب و المصاحف و المخطوطات الخاصة بالجامع في ساحة المجاورة له في مشهد يشبه كثيرا حرق “هولاكو” لكتب بغداد.
في سنة 1962 بعد الاستقلال عاد الجزائريون للصلاة في مسجد كتشاوة بعد انتظار 130 سنة من الاستعمار.
مسجد كتشاوة هو تحفة معمارية إسلاميه، حيث يتميز بتصميمه الجميل والمتناغم، حيث يتألف من قاعة صلاة واسعة ومجهزة بصفوف من الأعمدة الرخامية والقباب المزخرفة بالزهور والنقوش الإسلامية. كما يحتوي على مدرسة ومكتبة تحتوي على مجموعة كبيرة من الكتب الإسلامية القديمة.
دار عزيزة في القصبة السفلى:
دار عزيزة أو قصر عزيزة، هي جوهرة تاريخية من اجمل قصور الجزائر، و تقع في اسفل القصبة مقابلة لجامع كتشاوة. تم بناء دار عزيزة في القرن السادس عشر، واخذذ اسمه من الأميرة عزيزة، ابنة داي الجزائر ، التي يروى أنها عاشت و ترعرعت في ترف داخل القصر و بقي القصر يحمل اسمها إلى غاية اليوم.
الجولة داخل قصر عزيزة تأخذك إلى زمن اخر، ممتع عبر تاريخ الجزائر. القصر كبقية قصور القصبة يتميز بطابعه العثماني الجميل، و الذي يتوسطه فناء (وسط الدار) به نافورة مياه عذبة يسحر منظرها الزائر.
قصر مصطفى باشا ( المتحف الوطني للمنمنمات و الزخرفة و الخط العربي حاليا):
يعتبر قصر مصطفى باشا من أهم المعالم السياحية في الجزائر، ويقع في القصبة القديمة وسط العاصمة الجزائرية و بالقرب من مسجد كتشاوة. وهو عبارة عن قصر كبير وفاخر يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر، وكان يعتبر مقراً للحاكم العثماني في الجزائر.
يتميز قصر مصطفى باشا بتصميمه الأثري الجميل، حيث يجمع بين الطراز العثماني والمغاربي، ويتألف من عدة أجنحة وقاعات كبيرة وحدائق واسعة. كما يحتوي القصر على مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية والديكورات الفاخرة، التي تعكس ثقافة وتاريخ المنطقة.تجول في أروقة القصر يأخذ الزائر في رحلة عبر الزمن، حيث يمكنه التعرف على الثقافة العثمانية وحياة الناس خلال تلك الفترة.
ومن المعالم البارزة داخل القصر، قاعة الشرف الكبيرة التي كانت تستخدم في الاحتفالات الرسمية والاجتماعات الحكومية، وقاعة السلطان الذي كان يستخدمها السلطان العثماني خلال زياراته إلى الجزائر.ويمكن للزائر أيضاً الاستمتاع باللوحات الفنية و المنمنمات المعروضة في قاعاته لعدة فنانين من كل أنحاء العالم. الجولة داخل القصر توفر للزائرين مساحة هادئة وجميلة للاسترخاء والتمتع بالطقس المشمس.
ويعتبر قصر مصطفى باشا من أبرز الوجهات السياحية في الجزائر، ويجذب الكثير من الزوار الذين يرغبون في التعرف على تاريخ وثقافة المنطقة. لكن من الأفضل التسجيل في احدى الجولات السياحية التي توفر دليلا يشرح تفاصيل القصر و كيف كانت تجري الحياة اليومية لسكان القصر في مختلف اجزائه.
مسجد سيدي رمضان :
مسجد سيدي رمضان من اقدم المساجد في حي القصبة العليا، وقد تم تأسيسه بين القرنين 10 و 11 ميلادي على انقاض المدينة الرومانية “ايكوزيوم” خلال حكم “بني مزغنة”. و يعود اصل تسميته حسب الرويات إلى احد اسم احد الجنود في الجيوش الإسلامية الفاتحة لشمال إفريقيا.
لا يمكن الوصول إلى الجامع إلا عن طريق المشي في الأزقة الضيقة للقصبة العتيقة، حيث يطل على خليج الجزائر. المسجد يتميز بطابعه المعماري الفريد و البسيط في مزج بين العمارة المغاربية و العثمانية. المسجد يحوي في داخله محرابين، و 18 عمودا من الحجارة لحمل السقف القرميدي.
المسجد لا يزال إلى يومنا هذا يلعب دوره في تنظيم جلسات الذكر و العلم و اقامة الصلوات الخمس، حيث أن الكثير من سكان العاصمة و القصبة يفضلونه رغم كثرة المساجد.
قصر خداوج العمياء ( متحف العمومي الوطني للفنون و التقاليد الشعبية):
القصر عبارة عن تحفة معمارية، تقع في القصبة السفلى و بالتحديد في حي” سوق الجمعة”، على بعد أمتار من جامع كتشاوة العريق. يعود تاريخ بنائه إلى عام 1570 ميلادي من طرف “يحي الرايس” احد الضباط في الأسطول البحري الجزائري. و حسب الأسطورة ، أن مالكة القصر “لالة خداوج” فقدت بصرها من كثر النظر إلى المرآة معجبة بجمالها. حيث القصر مازال يحتفظ باسمها إلى غاية اليوم.
في عام 1961 تم تحول القصر إلى متحف خاص بالفنون التقليدية، حيث يعرض قصر خداوج تحف استثنائية للجهور و السياح، لبتحف المعروضة تعكس تراث مختلف المناطق في الجزائر ، و الموروثة من الحياة اليومية للسكان مثل الآسرة و الزرابي و الصالونات القديمة.
دار خداوج تحافظ على جمالها المعماري رغم مرور عدة قرون على بنائها، هذا ما يجعلها من اشهر الوجهات السياحية في حي القصبية و الجزائر العاصمة.
متحف الشهيد على لابوانت في القصبة :
يقع متحف على الشهيد على لابوانت في القصبة، حيث بني على انقاض الدار التي فجرها الاستعمار الفرنسي و هو بداخلها مع أربعة شهداء أخريين، المتحف يروي قصة الشهيد علي لابوانت و تاريخ ثورة التحرير الجزائرية وشهدائها.
الشهيد علي لابوانت كان أحد قادة الثورة وأحد أبرز الشخصيات في تاريخ الجزائر في منتصف القرن العشرين.
سطح البهجة في اعلي القصبة القديمة :
هو سطح احد أعلى المنازل في القصبة العليا حيث يطل على منظر رائع لخليج الجزائر و بيوت القصبة السفلى. الزوار يقصدون المكان للاستمتاع بالا طلالة البانورامية لساحل الجزائر التي لا مثيل لها، السطح يحتوي على مطعم للأطباق التقليدية و المشروبات مثل الكسكسي، الرشتة، المثوم، بالإضافة الشرابات العاصمية .
سطح البهجة يجلب شخصيات مرموقة و سياح من كل أنحاء العالم لالتقاط صور تذكارية و التمتع بالمؤكلات في جلسة تقليدية التي تعود بالزائر إلى الأيام لجميلة للقصبة القديمة.
كيف تحضر لجولة سياحية في القصبة القديمة :
إذا كنت تخطط لجولة سياحية في القصبة في الجزائر العاصمة، فإليك بعض النصائح التي يمكن أن تساعدك على التمتع بزيارتها:
- تحديد اهم المعالم و الأماكن السياحية في القصبة، و المسارات التي يجب تتبعها، حيث يمكن الاستعانة بتطبيق الهاتف لجوجل ماب .
- تحضير الملابس و الأحذية المناسبة المناسبة للطقس ولأنشطة الجولة التي تخطط لها. حيث من الأفضل استخدام حذاء رياضي للمساعدة على السير، حيث أن الجولات السياحية تتجه في الغالب صعودا عبر، و معظم أزقتها هي عبارة عن سلالم.
- التأكد من إحضار بعض الأدوات اللازمة مثل الكاميرا والحقيبة الصغيرة مثل حقيبة الظهر بالإضافة إلى المياه والوجبات الخفيفة.
- التأكد من حمل جميع الوثائق اللازمة مثل جواز السفر والتأشيرة وبطاقة الائتمان وخصوصا النقود الورقية لاقتناء بعض التحف التقليدية و التذكارات الخاصة بالقصبة.
- من الأفضل الاستعانة بدليل سياحي محترف، و ذلك مساعدتك في جعل رحلتك أكثر إثارة ومتعة. هناك الكثير من الوكالات السياحية التي تقدم هذه الخدمة باحترافية كبيرة.
- يمكن الاستعانة بالسكان القصبة للوصول إلى الأماكن و المعالم.
اهم النشاطات التي يمكن القيام بها في القصبة العتيقة للجزائر:
الاستمتاع بالمأكولات التقليدية الجزائرية:
تتميز المأكولات الجزائرية التقليدية بنكهتها الفريدة واللذيذة، وتتضمن بعض الأطباق الشهية مثل الكسكسي والمرقة والكبة والكفتة. ويمكن للزوار تذوق هذه الأطباق الشهية في العديد من المطاعم والمقاهي التي توجد في القصبة.
التسوق في القصبة :
تعتبر القصبة وجهة تسوق مثالية للزوار، حيث يمكنهم العثور على العديد من المحلات التجارية التي تبيع المنتجات المحلية والحرفية التقليدية والهدايا التذكارية مثل الأواني النحاسية و الحلي الفضية، بالإضافة إلى ألألبسة التقليدية.
نأمل أن تكون الجولة في القصبة القديمة ممتعة و فريدة من حيث التاريخ الغني، و المباني الأثرية و الأسواق التقليدية التي تحكي زمن السلاطين و الملوك الذي عاشو فيها. وفي الأخير يمكن القول أن القصبة هي وجهة رائعة للزوار الذين يرغبون في التعرف على ثقافة الجزائر وتاريخها العريق.